السبت، 28 يونيو 2014

لماذا فشل برنامج تقطير الوظائف؟


 

لماذا فشل برنامج تقطير الوظائف؟

14/4/2009

 خالد بن سلمان الخاطر (كاتب قطري)

 عندما تقرر اتباع سياسة تقطير الوظائف في بداية السبعينيات كان الهدف ساميا وسليما لأنه ليس من المعقول الاستمرار في الاعتماد على الأجانب الى الأبد وخاصة بعد أن توفر قطريون متعلمون وعدد لا بأس به من الخريجين، كما أن توفير وظائف مناسبة لهؤلاء الخريجين كان أمرا مهما وملزما للدولة وخاصة بالنسة للوظائف الإدارية والقيادية، ونظرا لأهمية الأمر بدأت الدولة في اتخاذ الإجراءات اللازمة لتطبيق برنامج التقطير ولكن مع الأسف الشديد من دون اعطائه حقه من الدراسة والبحث أو وضع خطط سليمة ومدروسة لتطبيقه وبدون تصور ما قد يواجهه من عقبات قد تؤدي الى فشله أو عدم جني ثماره.

فوجود خريجين جدد وبدون خبرة تذكر أو تدريب يؤهلهم لتحمل مسؤولية تلك الوظائف لم يكن يكفي وحده لتقطير الوظائف، والحق يقال فعلى الرغم من ذلك استطاع عدد لا بأس به منهم اثبات وجودهم وقدرتهم على القيام بتلك المهام بكفاءة عالية، كما تحملوا الكثير من المعاناة وخاصة في بداية الأمر لتحقيق ذلك.

 


ولكن الأغلبية - وهذا رأي مبني على الظاهر وليس حكما - لم تتمكن من القيام بمهامها لافتقارها للخبرة وعدم حصولها على التدريب المناسب الأمر الذي نتج عنه سلبيات كثيرة لا تختصر فقط على الانتاجية في العمل بل تعدت ذلك وشملت تغييرا سلبيا وخاطئا في مفاهيم العمل والدراسة والوظيفة، كما أدت الى اعطاء انطباع صحيح مرده أن القطري لا يجري وراء الوظيفة حبا في العمل والانتاج بل حبا في الراتب والبحث عن الوظيفة التي تعطيه أكبر قدر من الوقت خارج الدوام، وبأن دراسته ليس هدفها حب العلم والمعرفة والانتاجية بل طمعا في المركز والراتب واللقب والسمعة.

 

ولقد حصلت النتائج الأكثر سلبية في مجال التعليم، فلقد أدى تقطير المعلمين والمعلمات الى تعيين قطريين فقط لمجرد انهم جامعيون وبدون تدريب في مجال التعليم والتدريس والتربية الى انتاج طلاب يجوز وصفهم بأنصاف المتعلمين غير مؤهلين لدخول جامعات عالية المستوى، ودخل بعض من هؤلاء مجال التدريس مما أدى الى تخريج ارباع متعلمين ودخول التعليم في حلقة مفرغة أدت بالتالي الى تدني مستواه الى درجة أصبح من الصعب تحسينها، إلا إذا رسم برنامج طويل المدى قد يستغرق جيلا كاملا أو أكثر.

 

كما أدى بهؤلاء الطلاب الى البحث عن جامعات متدنية المستوى لمجرد الحصول على ورقة تثبت انه جامعي من دون تحصيل علمي يذكر وذلك لهدف مرده الحصول على وظيفة حكومية برتبة كبار الموظفين تؤمن له الحصول على راتب مناسب وغيره من المزايا التي ترافق تلك الوظيفة، ويتضح ذلك في عزوف أولئك الخريجين عن العمل في القطاع الخاص الذي يتطلب المثابرة والانتاجية العالية، ولقد شجع ذلك سياسة الدولة التي تبنت توظيف كل خريج بغض النظر عن مستواه أو تحصيله.

 

كما يتضح ذلك في عدم قدرة بعض الخريجين على التحدث باللغة الانجليزية بطلاقة على الرغم من حصولهم على دراستهم وشهاداتهم من جامعات أمريكية أو انجليزية، ويتجلى ذلك ايضا في عدم قدرتهم على التعامل مع العمليات الرياضية والحسابية، وينعكس ذلك في مواضيع ابحاثهم ورسائل الدكتوراة التي يقدمونها للحصول على شهادات عليا الهدف منها على ما يبدو الوظيفة العليا وليس العلم بحد ذاته كما ذكرت في مقال سابق، ويتضح ذلك حتى في عدم قدرة بعضهم على التحدث بطلاقة باللغة العربية في المقابلات التلفزيونية والإذاعية، كما أدى الى هزالة المشاركة في الكتابة وتقديم الدراسات والأوراق في المؤتمرات والندوات.

 

ولقد برزت النتائج العكسية لذلك الهدف السامي في الوظائف الإدارية على مختلف مستوياتها، ويبدو ذلك واضحا في عدم تمكن معظم الإداريين القطريين من اتباع الأساليب الإدارية الحديثة وعدم قدرتهم على اتخاذ القرار في الوقت المناسب وقلة ثقتهم في أنفسهم ولجوئهم دوما الى من هو أعلى منهم للحصول على القرار مما نتج عنه مركزية أو تشكيل لجان لكل أمر يتطلب صنع قرار تسببت في شلل العمل وتدني الانتاجية.

 

كما أدى عدم حصول القادرين منهم على التدريب المناسب بعد تخرجه مباشرة الى تبخر ما تعلموه في الجامعات مما أدى الى عدم قدرتهم على مواكبة المستجدات في تلك المهن وخاصة التخصصات المهنية كالهندسة وغيرها وعدم الاستفادة من التدريب لو تمكن من الحصول عليه لاحقا.

 

لقد نتج عن هذه الظاهرة بطالة مقنعة وازدواجية في التوظيف حيث اصبح من الملاحظ في أغلب الحالات ان كل وظيفة وخاصة إذا كانت تتطلب جهدا ومهارة ويحتلها قطري يرافقها وظيفة أخرى يحتلها غير قطري يقوم بمهامها، وهذا ليس تعميما ولكنه يعكس الواقع وخاصة في وزارات ودوائر الخدمات.

 

لقد افترض ان الموظف القطري سوف يتمكن من الحصول على التدريب المناسب أثناء عمله وعن طريق زملائه في العمل، ولكن ذلك لم يحصل لعدة أسباب أهمها:

 

1- عدم قدرة الموظف الأجنبي على التدريب لأنه غير مؤهل لذلك.

 

2- ضغط العمل خلال طفرة السبعينيات والطفرة الأخيرة لم يعط ذوي الخبرة الوقت الكافي لتدريب المبتدئين.

 

3- خوف الموظف الأجنبي من ان يستولي الموظف القطري على وظيفته والحلول مكانه في حالة تأهله.

 

4- عدم حصول القطري على التعليم المناسب.

 

وكان بالامكان تفادي تلك العقبات بتمديد فترة ابتعاث الطالب بعد تخرجه وتمكينه من الحصول على التدريب والتأهيل المناسب مباشرة بعد تخرجه في بلد دراسته من شركات متخصصة نظرا لعدم وجود أقسام تدريب مؤهلة في وزارات ومؤسسات الدولة المختلفة، كما كان من الممكن تفادي ذلك بالنسبة للوظائف غير الجامعية بتأسيس معاهد تدريب مهنية محلية مزودة بمدربين أكفاء وجميع متطلبات التدريب.

 

ولقد أدى ضمان الحصول على وظيفة حكومية وما يرافقها من امتيازات الى غياب الحوافز والدوافع عند الطالب وعدم اكتراثه بمستوى تحصيله العلمي والثقافي، كما زاد ذلك من شعور الطالب وانطباعه بأن الواسطة وليست الكفاءة هي الاسلوب المجدي والأمثل في تحسين أوضاعه، كما أدى ذلك الى تجنب القطريين للأعمال الحرة أو العمل في القطاع الخاص مما جعل القطاع الخاص فريسة في يد الأجانب في جميع مجالاته.

 

كما أدى عدم الاستقرار الوظيفي والتعيين بالواسطة وتفضيل موظف  نعم  وعدم اعتماد معايير الكفاءة قبل الولاء في اختيار المسؤولين والإحالة الى التقاعد المبكر الى عدم اكتراث الشباب بالتعليم الجيد والحصول على القدرات والمؤهلات الضرورية واللازمة لكي يصبحوا موظفين منتجين وقادرين بكل كفاءة على خدمة وطنهم.

 

إن فرض تعيين نسبة مئوية على مؤسسات وشركات القطاع الخاص من موظفيهم وبدون شرط تدريبهم أو نظرا لقلة وجود قطريين مدربين أساسا بهذه المؤسسات والشركات الى تعيين قطريين إما في وظائف متدنية المستوى وهامشية تؤدي بالقطريين الى العزوف عنها، لقد طبقت بعض من تلك المؤسسات والشركات تلك النسبة لمجرد الالتزام بالقانون علما بأنها سوف توفر الكثير لو وظفت القطريين.

 

ويستدل من ذلك على أمرين، الأول هو ندرة القطريين الأكفاء، والثاني عدم قدرة القطريين على الصبر والتحمل أثناء فترة التدريب والتأهيل.

 

مما لاشك فيه أن تأسيس المدينة التعليمية واحتوائها على جامعات عريقة سوف يساهم في تطوير القدرات ويزود الوطن بالكفاءات إذا تطلع القطريون الى الحصول على المؤهلات اللازمة للقبول في تلك الجامعات والعمل الجاد للتخرج منها، وتدل النسبة الضئيلة للقطريين حاليا في تلك الجامعات على عدم حيازة الغالبية العظمى منهم على المؤهلات المطلوبة للقبول في تلك الجامعات، وللحصول على تلك المؤهلات وجب تطوير التعليم الابتدائي والثانوي واعطاء ذلك أولوية وأهمية قصوى لأنه القاعدة التي يبنى عليها ما يأتي بعده.

 

أرجو ان لا يفسر التطرق لهذا الموضوع على انه تقليل أو تصغير لقدرات وكفاءة القطريين، فالقطريون لا يختلفون عن بقية البشر في قدراتهم ولا الصفات السلبية التي اكتسبوها بالنسبة للعمل والدراسة والمعرفة مغروسة في جيناتهم، ولكن الصراحة والأمانة وحب هذا البلد تتطلب التحدث بصراحة يجب ان نتقبلها جميعا بصدر رحب مهما كانت مريرة لكي نبدأ في تصحيح مسار ذلك الهدف السامي، فالاعتراف بوجود مشكلة هو أول خطوة لحلها ولأهمية تطبيق خطة تقطير الوظائف بشكل سليم، لأنه كما يقال شعبيا لا يحك جلدك إلا ظفرك، وجب دراسة تلك الخطة بعمق وتمعن وتصحيح ما حدث من سلبيات وتحويلها إلى إيجابيات تضمن نمو هذا البلد العزيز وازدهاره وتؤمن للموظف القطري السعادة التي ترافق العمل المنتج المثمر وتجنبه الضياع وهدر طاقته فيما لا جدوى فيه.

 

نتمنى ان يؤدي معرض قطر المهني الى نتائج ايجابية ويستفيد القائمون عليه ومن سوف يتولون تنفيذ توصياته من سلبيات وأخطاء الماضي التي ذكرتها أعلاه متمنين لهم وللقطريين المشاركين في برنامج التقطير التوفيق والنجاح لخدمة هذا البلد الطيب المعطاء.

 


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق