السبت، 28 يونيو 2014

أين الجزيرة المحلية ؟


 

أين الجزيرة المحلية ؟

الأربعاء 13/5/2009

خالد بن سلمان الخاطر (كاتب قطري)

 لقد غيرت محطات الجزيرة المختلفة مفهوم الإعلام المرئي وخاصة فيما يتعلق بالحوار حول قضايا العالم المختلفة وأصبحت هذه القنوات المصدر الأول للأخبار والمعلومات لعدد كبير من الناس في جميع أنحاء العالم نظراً لتغطيتها للأحداث من دون تحيز وبتفاصيل دقيقة يجازف مراسلوها بالكثير للحصول عليها. كما أصبحت برامجها الحوارية مصدراً مهماً لفهم قضايا الساعة نظراً لمختلف وجهات النظر المطروحة والتي تعطي فرصة متساوية في الحوار مما يشير إلي عدالته.

ولقد تعددت قنوات الجزيرة لتشمل الجزيرة الرئيسية الاخبارية باللغتين العربية والانجليزية والجزيرة الوثائقية والأطفال والعديد من القنوات الرياضية، وأصبحت هذه القنوات قادرة علي القيام بالتغطية الشاملة لجميع الأحداث وفي أي مكان في العالم وعلي مدار الساعة.

 


كما يعطي تكرار وإعادة بث البرامج المستمر الفرصة للمشاهد بمتابعة ما يهمه من تلك البرامج. وتلعب مواقع الجزيرة في الإنترنت دوراً مهماً حيث يجد المشاهد بها ما فاته وما سوف يقام ببثه مع تعليقات منفصلة ومفصلة للأحداث والحوارات.

 

ولكن من اللافت للنظر غياب تغطية الأحداث المحلية وعدم وجود برامج حوارية للأمور الداخلية وما يهم المواطن من شؤون مهمة ومصيرية بالنسبة إليه.

 

وقد يشار إلي أن تلفزيون قطر يلبي هذا الاحتياج ولكن ومع الاحترام الشديد لتلفزيون قطر والقائمين عليه فهم لم يستطيعوا حتي الآن التوصل إلي نفس الأسلوب الشيق والناجح المتبع في قنوات الجزيرة المختلفة وذلك ربما لأسباب خارجة عن يد القائمين عليه.

 

إن للحوار العام البناء القائم علي المصداقية والشفافية ونزاهة الهدف دوراً مهماً وفعالاً في تصحيح الأمور والمفاهيم وترشيد وتوجيه مسيرة التنمية. كما يعطي الحوار الفرصة للمواطنين للتعبير عن آرائهم والتنفيس عما يدور في خاطرتهم. كما يتيح لفهم الفرصة في مناقشة ومحاسبة المسؤولين عن شؤونهم بطريقة مباشرة لا مجال فيها للمراوغة أو التملص.

 

وقد يتساءل المواطن حيث أثبت نموذج الجزيرة نجاحاً فائقاً وخاصة بالنسبة لبرامج الحوار عن غياب قناة الجزيرة المحلية. قناة مختصة بقطر وما يدور فيها من أحداث وبرامج تناقش المشاكل المحلية في مختلف المجالات. كما يتساءل عن الأسباب وراء غياب مثل هذه القناة إذا كانت حرية الإعلام والتعبير مضمونة حسب دستور البلاد.

 

لقد أصبح وجود جزيرة محلية أمراً مهماً وملحاً وضرورياً لما تمر به البلاد من تطور ونمو لم يسبق له مثيل محلياً ودولياً وذلك نظراً لما يرافق هذا التطور والنمو من مشاكل وأخطاء قد تودي إلي نتائج سلبية وخاصة في المستقبل إذا لم تطرح هذه المشاكل والأخطاء علي مائدة الحوار وتناقش بشكل عام وشامل يساهم فيه كل من لديه الرغبة من المواطنين والمهتمين.

 

إن أبعاد هذا التطور والنمو الاجتماعية والاقتصادية والحضارية والبيئية كثيرة ومتداخلة ومعقدة لا يستطيع فرد أو مؤسسة الإلمام بها أو إدراكها بشكل كامل وشامل. وطرحها للحوار العام هو السبيل الأمثل للالمام بها والتوصل إلي إيجاد حلول مناسبة لها ترضي الأغلبية إن لم يكن الجميع.

 

فمساهمة المواطن في حوار الأمور المصيرية التي تتلعق بجميع شؤون حياته أمر يستحق التركيز عليه وبذل كل ما هو ممكن في سبيل تحقيقه. فبدون الحوار تصبح مسيرة التطور والتنمية عوجاء وعرجاء تشوبها الأخطاء ولا تحقق بالتالي الهدف من وراء تبنيها.

 

وليس هناك أسلوب أفضل من تحقيق هذا الحوار والمشاركة فيه من الجميع سوي خلق قناة علي نمط قناة الجزيرة ولندعوها الجزيرة المحلية حتي تعطي الانطباع ذاته وتقنع أغلبية المواطنين بمصداقيتها وانفتاحها وجديتها في تبني الحوار الهادف البناء الذي من شأنه تجنيبنا الوقوع في كثير من الأخطاء والزلات التي قد تكون عواقبها وتحدياتها في المستقبل صعبة المواجهة وعسيرة الحل.

 

إن اتاحة الفرصة لمشاركة المواطن عن طريق الجزيرة المحلية سوف يؤدي إلي زيادة احساسه بالمسؤولية وينمي فيه روح المساهمة والمشاركة في كل ما يتعلق بأموره وأمور مجتمعه.

 

كما سوف يزرع فيه الإيمان بمبدأ التسامح وينمي فيه مفهوم التغيير عن طريق الوسائل الديمقراطية.

 

وخلق قناة الجزيرة المحلية لا يكفي إذا لم يساهم غالبية المواطنين أو المهتمين في المشاركة الفعالة والبناء فيما تقدمه القناة من برامج حوارية. فبدون تلك المساهمة والمشاركة لن يكون تبادل للرأي ولا طرح للقضايا العامة ولا مجال لإيجاد حلول فعالة لما يواجه المجتمع من مخاطر وما يعيق مسيرته التطورية والتنموية من صعوبات وتحديات.

 

ولن تتحقق تلك المساهمة ما دام الخوف الوهمي من غضب السلطة متسلطاً علي فكر المواطن. يجب إزالة هذا الخوف الذي أؤكد علي أنه خيالي ووهمي ليس هناك داعي للإيمان به.

 

 فالعقل والمنطق يمليان وجوب خشية السلطة من المواطن لا خشية المواطن من السلطة. فالسلطة وضعت لخدمة المواطن وحمايته وليس لأن يكون المواطن خادماً لها. يجب علي السلطة إثبات ذلك في كل مناسبة والتركيز علي إزالة ذلك الخوف الوهمي بالتأكيد دوماً قولاً وفعلاً علي عدم صحة وجوده حتي يقتنع المواطن تماماً بأن خياله وحده هو ما يدفعه للإيمان به.

 

كما يجب أن يكون الحوار قائماً علي العقل والمنطق خالياً من العواطف والمصالح الشخصية هادفاً دوماً لتحقيق المصلحة العامة مستنداً علي الثقة والمصداقية والشفافية تكسوه سترة التسامح واعطاء الفرصة للطرف الآخر.

 

كما يجب ألا يستند الحوار علي الغيبيات بل يعتمد علي الأدلة النابعة من أرض الواقع مستنداً علي ثوابت قوية لا جدال في الشك فيها إلا بالعقل  والمنطق.

 

كما يجب أن يكون الحوار قائماً علي الصراحة التامة تكسوه روح المودة والاخوة تجري في عروقه الوطنية مستنداً علي البحث والتقصي للحقائق لا علي الآراء والرغبات الشخصية وإلا كان عبثاً مرده الفشل بل ومن الغالب أن تكون له ردود فعل سلبية قد ترغم المسؤولين بالتالي إلي سد بابه لتجنب تلك السلبيات.

 

قد يتصور للبعض أن خلق الجزيرة المحلية حلم من أحلام اليقظة لا يمكن تحويله إلي الواقع أو مجرد نسج من خيال الكاتب وهذا تصور خاطيء لأن خلق جو ووسيلة للحوار ليس صعباً أو مستحيلاً مادامت النية صادقة والهمة موجودة والسواعد قوية.

 

 كما أن شكل الوسيلة ليس هو الغاية  المنشودة بل ان نتائج الحوار هي وحدها ما يجب أن نصبو إليه. فسواء كانت الوسيلة قناة للجزيرة محلية أو تلفزيون قطر بعد تحديث أسلوبه أو أي وسيلة أخري ليس بيت القصيد. فالهدف المساهمة والمشاركة والتوعية في نقاش هادف بناء لقضايا المجتمع من المهتمين من المواطنين الذي من الواجب أن يشمل غالبيتهم إن لم يكن أجمعهم.

 

لقد كان الحوار والتشاور في الماضي وليس بالبعيد هو أسلوب حياتنا رغم بساطة الحياة آنذاك. والوقت الحاضر يتطلب الحوار والمشاورة أكثر من أي وقت مضي نظراً لتعقيدات الحياة وسرعة معدل التغير وتعدل الأمور وتشعب القضايا المختلفة التي تمس حياتنا اليومية بشكل مباشر أو غير مباشر. فلنبدأ وليكن الحوار هو الطابع المميز لمجتمعنا بدلاً من المظاهر والتظاهر بالاستسلام وبأن كل شيء علي ما يرام.

 

 

 

 


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق