الجمعة، 27 يونيو 2014

المواطن وحمل الضرائب والرسوم


 

المواطن وحمل الضرائب والرسوم

18 مارس 2009

بقلم : خالد سلمان الخاطر (كاتب قطري )

يعتقد الأجانب الوافدون الي قطر أن كل مواطن قطري يعيش حياة مترفة حيث إنه لا يدفع قيمة ما يستهلكه من الكهرباء والماء كما أنه معفي من دفع ضريبة الدخل أو أي ضرائب أخرى.

وينبع من هذا الاعتقاد الخاطيء حسد ينعكس في نبرات كلامهم ونظرات عيونهم وتصرفاتهم وسلوكهم.
 
لقد تبنوا هذا الاعتقاد الخاطيء نظراً لجهلهم بالأمر الواقع وعدم حاجتهم لمراجعة الوزارات والمؤسسات الحكومية باستمرار مثل المواطنين.

كما توفر الشركات التي يعملون بها للغالبية منهم مندوبون لانجاز جميع المراجعات والخدمات التي يحتاجون إليها وتدفع الرسوم عنهم.والحقيقة عكس ذلك تماما.

فالمواطن في هذا الزمن يطعم من لحم أكتافه كما يقول المثل الشعبي. فهو ملزم بدفع رسوم وضرائب مباشرة أو غير مباشرة مبالغ فيها لكل خدمة يحصل عليها وأي سلعة يشتريها، مبالغ فيها حيث إنها لا تتناسب مع نوع أو مقدار الخدمة المقدمة إليه إلا نادراً.

 


فما يدخل جيب المواطن، وهو في الغالب موظف حكومي، يستولي عليه من قبل الحكومة عن طريق وزاراتها ومؤسساتها من الجيب الآخر وذلك عن طريق تلك الرسوم والضرائب.

 

وقد يبرر البعض ذلك بالقول: وما الخطأ في ذلك فالضرائب والرسوم موجودة في كل بلد في العالم. ولهذا التبرير قدر من الصحة إذا لم يؤخذ في الاعتبار نوعية ومصدر دخل الدولة.

 

فدخل دولة الرعي (الدولة التي تعتمد علي استغلال مورد طبيعي كالنفط) يختلف عن دخل دولة مصدر دخلها الوحيد هو الضرائب والرسوم التي تفرضها علي مواطنيها ومؤسسات وشركات القطاع الخاص.

 

فدخل دولة الرعي يأتي معظمه نتيجة استغلال موارد البلاد الطبيعية التي يجب النظر إليها علي أنها ملك عام يخص جميع المواطنين وليس مختصراً علي فئة معينة من الناس. وبالتالي يطرح السؤال التالي نفسه: إذا كان الدخل الصادر من الرعي ملك عام فكيف يمكن توزيعه علي المواطنين؟وليس من المعقول تقسيم مدخول الرعي علي المواطنين بالتساوي وصرفه لهم مباشرة. فالحكومة تقدم خدمات عامة لا يستطيع فرد لوحده توفيرها لنفسه أو للغير، تكلفها مبالغ طائلة ولديها بالتالي التزامات محلية وخارجية يجب الحرص دائماً علي وجود موازنة للإيفاء بها.

 

كذلك فالحكومة مسؤولة عن الاستثمار لتنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد فقط علي دخل الرعي النابض لا محالة. كما أن التوزيع المباشر لدخل الموارد يؤدي الي الكسل والهدر والإسراف ويحد من الشعور بالمسؤولية تجاه المصلحة العامة.

 

لتلك الأسباب وغيرها تتبع دول الرعي وسائل غير مباشرة لإشراك مواطنيها في الاستفادة من مداخيل الرعي. فانعدام الضرائب المباشرة وغير المباشرة والرسوم أو وجودها بقيمة رمزية مقابل ما توفره الحكومة من خدمات هو إحدي الوسائل السهلة التطبيق لتحقيق ذلك.

 

فمجانية التعليم والخدمات الصحية واستهلاك الكهرباء والماء التي تختصر علي سكني المواطن هي احدي الوسائل المتبعة كذلك في توزيع مدخول الرعي رغم ما يرافقها من هدر وتبذير خاصة في حالة استهلاك الكهرباء والماء.

 

علماً بأن هذا الهدر والتبذير كان ولا يزال ضئيلاً لأنه مختصر علي سكن المواطن الخاص فقط مع الاعتراف بأنه سوف يكبر مع نمو السكان المحليين.كما أن انخفاض قدر كمية الضرائب والرسوم المفروضة علي التجار ومقدمي الخدمات المختلفة يعتبر وسيلة أخري حيث يؤدي بالتالي الي انخفاض أسعار السلع والبضائع التي يحتاجها المواطن. كذلك دعم الدولة للمواد الأساسية.

 

وهناك وسائل أخري متعددة ومجدية تستخدم اما جملة أو بعض منها أو منفردة حسب الظروف والأوضاع لإشراك المواطن في دخل الرعي.

 

ونظراً لأهمية هذه السياسة في تحقيق الرفاهية والأمن والاستقرار للمواطنين خاصة وللوطن عامة أعطتها الدولة في الماضي اهتماماً كبيراً.

 

وحرصت دوماً علي عدالة وتناسب ما يفرض من ضرائب سواء مباشرة أو غير مباشرة ورسوم علي المواطنين، ونظراً لغياب وجود تمثيل برلماني، لأنه كما يقال لا ضرائب بدون تمثيل، حرص سمو الأمير علي عدم فرض ضرائب ورسوم حتي لو كانت بريال واحد إلا بموافقته شخصياً وبصدور قانون بذلك.

 

بينما نلاحظ اليوم أن تلك الصلاحية أصبحت لدي الوزراء والمديرين وحتي رؤساء الأقسام وأحياناً من غير صدور قانون يفاجأ بها المواطن وكأنها نزلت فجأة من السماء.كما يلاحظ عدم تناسب حجم الضرائب والرسوم مع الخدمات المقدمة في المقابل، فعلي سبيل المثال وليس الحصر الرسوم الجديدة المفروضة من البلدية لتوثيق عقود الايجارات، لقد أصبح المؤجر ملزماً بتوثيق كل عقد إيجار جديد يلتزم به لدي البلدية ويدفع عليه رسوماً وعقوبة في حالة التأخير، رسوم مبالغ فيها لا تتناسب قطعياً مع ما يحصل عليه من خدمة في المقابل.

 

ولو أخذ في الاعتبار أن معظم رزق المواطنين يعتمد في الأساس علي الايجارات لاستنتجنا أن هذه الرسوم والضرائب ما هي إلا وسيلة لسلب المواطن ومشاركته في ملكه ورزقه وكسبه.

 

كما أنه أصبح من الواضح جداً عدم إدراك فارضي تلك الضرائب والرسوم لعواقب ونتائج ما يفرضون وعدم دراستهم لتلك الضرائب والرسوم دراسة وافية شاملة من جميع النواحي والاتجاهات قبل تطبيقها. ويتضح ذلك في أغلبها في عدم تناسب حجمها مع ما فرضت من أجله من خدمة.

 

كما يتضح ذلك في تناقض فرض تلك الضرائب والرسوم مع السياسة العامة للدولة التي تهدف الي خفض معدل التخضم. فالضرائب والرسوم التي فرضت علي الاستيراد والتجار والوكلاء، والتي كثرت وتعددت وأصبحت تأخذ صوراً وأشكالاً لا توجد في أي بلد آخر في العالم، تؤدي وبشكل غير مباشر الي تضخم الأسعار. ولو نظر لها بدقة وتمعن لاتضح أنها ضريبة علي المواطن من دون تسميتها بذلك.

 

لقد أصبح واضحاً أن الهدف من تدخيل بعض المعاملات الجديدة أو تعديل القديمة هو جبي الضرائب والرسوم. فمثلاً تجديد جواز السفر كل خمس سنوات بدلاً من عشر مع العلم أنه مجرد وثيقة سفر يؤدي تجديدها كل خمس سنوات الي إرهاق المواطن خاصة وأن بعض دول العالم تمنح فيزاً لمدة عشر سنوات يرغم المواطن علي نقلها الي الجواز الجديد في كل مرة.

 

ويبدو التناقض واضحاً عندما تقارن فترة تجديد جواز السفر مع فترة تجديد البطاقة الشخصية. فأيهما أهم؟ أرجو ألا يساء الفهم ويؤدي ذلك الي تخفيض مدة صلاحية البطاقة الي خمس سنوات.

 

قد يتصور البعض وخاصة المسؤولين ان هذه الضرائب والرسوم كونها تشمل الوافدين تمثل دخلاً اضافياً خارج عن مدخول الرعي. وهذا تصور خاطيء فعلاً، فلو تمعنا في مصادر الدخل القومي ومجموع الناتج المحلي لوجدنا أن أساسهما هو دخل الرعي.

 

وما عملية فرض الضرائب والرسوم إلا الأخذ من هذا الجيب والوضع في الجيب الآخر مع ما يرافقه من تكاليف وهدر للمال والوقت والجهد. فالاستثمارات الخارجية في البلاد محدودة تختصر في الغالب علي قطاع النفط والغاز.

 

كذلك يتصور البعض أن الضرائب والرسوم قد تحد من كمية المبالغ التي يوفرها ويصدرها الوافدون.

 

وهذا تصور خاطيء أيضاً. فالوافد وربما باستثناء العامل سبق في الغالب أن أخذ ذلك في الحسبان ولن يقبل براتب لا يشمل ولا يغطي تلك الضرائب بشكل مباشر أو غير مباشر.

 

وعندما يؤخذ في الحسبان تكلفة الأجهزة والجهات المسؤولة عن جبي تلك الضرائب والرسوم لاتضحت ضآلة ذلك الحد وهامشيته مقارنة بالعائد الانتاجي الذي سوف توفره تلك الأجهزة لو استغلت في عمل منتج آخر.

 

لقد أصبح حمل الضرائب المباشرة وغير المباشرة ثقيلاً علي المواطن والحكومة وأصبح يرهق المواطن ويقلقه خاصة وأنه يراه في ازدياد يوماً بعد يوم. كما أدي هذا الحمل الثقيل الي الشعور بالظلم وعدم العدالة لدي المواطن بالنسبة لما يحصل عليه كنصيب من دخل موارد بلاده الطبيعية التي هي حقه وملكه أولاً وأخيراً.

 

فالله سبحانه وتعالي عندما وهب هذا البلد الطيب هذه الموارد النفيسة لم يحدد ملكيتها ولمن تؤول. بل سخرها للجميع كل حسب عمله وجهده واجتهاده ولم يميز أو يستثني والياً أو سلطان.

 

لقد حان الوقت لتشكيل لجنة عليا تضم أهل الخبرة والحكمة لدراسة جميع الضرائب والرسوم والكشف عن سلبياتها وايجابياتها آخذة في الاعتبار مصلحة البلاد عامة ومصلحة المواطن خاصة. يجب أن تتوصل الي توصيات دقيقة شاملة هدفها اتخاذ الاجراءات والتعديلات اللازمة التي تهدف بدورها لتقديم الخير والازدهار للمواطن وتضمن استقرار وأمن الوطن، تراعي العدالة والمساواة، تعطي كل ذي حق حقه، وتقلص الروتين القاتل الذي أرهق المواطن أكثر مما أرهقته الضرائب والرسوم.

 

كما يجب أن توصي علي ضرورة اصدار قانون رسمي يعلن عنه بجميع الطرق والوسائل لكل ما يفرض من ضرائب ورسوم حتي لا تكون وسيلة نهب وتسلط وتبييض وجوه لكل من هب ودب.

 

يوصف هذا العصر بالسرعة ولن نستطيع اللحاق به ومواكبته إلا إذا صححنا مسارنا وأوضاعنا وقلصنا من الروتين القاتل الذي لازمنا حديثاً حيث لم يكن موجوداً في السابق. يجب أن نتقدم بدلاً من أن نتأخر، يجب أن نسهل ونخفف من الاجراءات بدلاً من أن نزيدها تعقيداً ونكثرها، يجب أن نحرص علي أن كل ضريبة تفرض ورسم يؤخذ واجراء يتبع قد حظي بالقدر الكافي من الدراسة وألا يشكل أو يكون عقبة في وجه مسيرتنا التنموية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق