الجمعة، 27 يونيو 2014

تعليق على مقال الرأي الآخر للكاتبة مريم آل سعد


 

تعليق على مقال الرأي الآخر للكاتبة مريم آل سعد

خالد سلمان الخاطر .

نشرت جريدة الراية في عددها رقم ١٠١٣٢ بتاريخ ٢ فبراير ٢٠١٠ مقالا تحت زاوية الرأي الآخر للكاتبة مريم آل سعد بعنوان (أرض ممتدة وأزمة إسكان وشوارع مسدودة..!!) تضمن رغم قصره مواضيع عدة تجاوزت ما يشير له العنوان، مما ادى بالقارئ الى مواجهة صعوبة في فهم الهدف من وراء ما تقصده الكاتبة. فلقد شمل المقال حسب فهمي المواضيع التالية:



أزمة السكن التي تمر بها البلاد.

الزيادة في عدد السكان بشكل غير مسبوق واسبابها.

دور المواطن في المساهمة في القطاع الخاص واسباب فشله.

القبول بالأجنبي للمساهمة في القطاع الخاص كبديل للمواطن نتيجة ذلك الفشل.

اقتراح تطوير المساحات الفارغة بين الدوحة والمدن الأخرى من قبل شركات احتكارية كبيرة لحل ازمة الاسكان وغيرها.


السماح لتلك الشركات بالتعاون مع الشركات الأجنبية لتحقيق أهدافها نظرا لعدم قدرة الشركات الوطنية وفشلها في المساهمة في تحقيق تلك الأهداف.

لوم المواطنين كونهم السبب في عرقلة تلك المشاريع وسببا رئيسيا في فشلها.المصلحة الخاصة والمصلحة العامة والوطنية.

فكرة المجتمع المدني.



مما لا شك فيه ان هذه المواضيع مرتبطة ومتشابكة ببعضها ولكن الطريقة والاسلوب التي تعاملت الكاتبة معها لم يكن موفقا لدرجة كبيرة لان تناولها لتلك المواضيع المتشعبة والمتداخلة كان سطحيا مما ادى الى تفسيرها بطريقة خاطئة واقتراح الحلول غير المناسبة للتعامل معها وتناقضها مع الواقع. وقد تعلل الكاتبة السبب في ذلك الى ضيق المساحة او ان القارئ القطري لا يقرأ المقالات الطويلة ولذا لجأت الى التلخيص او غيرها من الأسباب.

ولكن كان من الواجب الوطني - خاصة انها تحدثت في نهاية المقال عن الوطنية - ان تدرك اهمية المواضيع التي طرحتها وان تتعامل معها بما يليق بتلك الاهمية والتعمق في فهمها واقتراح الحلول المناسبة لها. ولتناول تلك المواضيع اولا كل على حدة ثم لنحاول ربطها جميعا بحبل الوطنية كما فعلت الكاتبة.

 

ان سياسة الحكومة هو السبب الرئيسي الذي ادى الى ازمة الاسكان التي واجهتها البلاد والتي بدورها خلقت فقاعة تطلبت امكانيات وطاقات فوق قدرة البلد ومواطنيها والتي سوف يؤدي انفجارها الى كارثة مثل ما حصل في بعض الدول التي خلقت مثل تلك الفقاعات والتي تسببت في حدوث الازمة المالية العالمية الحالية.

والمواطن القطري لا يختلف عن غيرها ولا يجب طرح اللوم عليه اذ انجرف وراء تلك الفقاعة من دون عقلانية خاصة في غياب الشفافية بالنسبة لسياسة الدولة واهدافها. لقد ادخل خلق تلك الفقاعة الدولة في حلقة مفرغة لا تستطيع الخروج منها من دون ضرر عليها وعلى المواطنين الذين توهموا انها سوف تستمر الى الأبد.

وتاريخ الاقتصاد يشهد علي ان مثل هذه الفقاعات - خاصة فقاعات الاستثمار في التطوير العقاري - تغذي نفسها في بدايتها ولكن سرعان ما تنفجر ويتحول غذاؤها الى سبب ذلك الانفجار لان الامكانيات والطاقات من مهندسين وفنيين وعمال وتجار مواد والتي جلبت في بدايتها تتلاشى تدريجيا قرب نهايتها.

لقد بدأت الفقاعة فعلا بالانفجار ولم تعد هناك ازمة اسكان لان العرض زاد على الطلب. ان الادعاء بان قطر لم تتأثر بالازمة العالمية ليس صحيحا. فالحكومة تدخلت واشترت ديون البنوك ولكنها لم تساعد المواطن من تداعياتها.صحيح ان قطر لم تتأثر بنفس الحدة التي تأثرت بها بعض الدول ولكن هذا التأثير سوف تزداد درجته مع تداعيات الفقاعة التي بدأت تظهر علامات انفجارها بكل وضوح.

 

لقد حاولت الكاتبة بدلا من فهم المشكلة حسب ما ذكر اعلاه تعليل اسبابها تارة بلوم المواطن الذي لجأ الى بنك التنمية وتارة الى الزيادة غير المسبوقة في عدد السكان والذي اصابت فيه ولكن نقضت صوابها بقولها إن هذه الزيادة دليل على ٍقدرة البلاد الاقتصادية على استيعاب هؤلاء البشر وتشغيلهم..« لقد حصرت الكاتبة قدرة البلد فقط في الإمكانيات المالية وليس القدرات الاقتصادية الشاملة والقدرات الأخرى وأهمها القدرات المحلية مثل البنية التحتية والصحية خاصة القدرات البشرية.

من ذلك المنطق كان استنتاجها بالنسبة للربح العائد للبلاد من جلب تلك الأعداد من الناس للبلاد خاطئاً لأن هدر المال العام وانتشار الفساد وخسارة معظم المواطنين من جميع النواحي أصبحت واقعا لا يستطيع أحد نكرانه.

إن حصر التنمية في المفهوم الاقتصادي لا يعبر عن تنمية حقيقية , فالإنسان كما يقول المثل لا يعيش على الخبز فقط. إن التنمية الحقيقية هي تنمية المواطنين وما يؤدي إلى إسعادهم ورقيهم الفكري والحضاري وليس تنمية مبان خرسانية وزجاجية لا تتناسب مع بيئتهم ولا طبيعتهم. وما التنمية إلا مسيرة وتجربة يجب الاستفادة منها من قبل المواطنين في تنمية قدراتهم بجميع أنواعها.

وبدلاً من أن تفهم الكاتبة هذه المسيرة وهذه التجربة لجأت إلى لوم المواطنين واتهامه بالتكاسل أو الفشل لرغبته في تحقيق الربح السريع وعدم بذل الجهد الكافي والصبر لتحقيق مصلحة البلاد.

لقد غفلت الكاتبة وتجاهلت- وقد يكون ذلك عن غير قصد- إهمال الحكومة بل ومقاومتها وتصديها لكل ما هو محلي في ما عدا ما يخص النخبة. لقد مرت الطفرة الأولى- نتيجة الزيادة الكبيرة في أسعار النفط مع بداية السبعينيات - من دون أي مردود حقيقي على البلاد بل حدث العكس.

لقد حوربت المكاتب المحلية الهندسية وأرغمت شركات المقاولات المحلية على الإفلاس ليس بسبب تخاذل أو تكاسل أصحابها بل بسبب سياسة الحكومة في التعامل معها وخاصة بالنسبة لتأخير الدفعات وحرمانهم من المشاركة في المناقصات بينما تعطي الشركات والمكاتب الأجنبية المشاريع مباشرة ومن دون مناقصات.

 لقد قاومت الحكومة وما زالت قيام قطاع خاص قوي يستطيع مواكبة متطلبات التنمية والذي يعتبر هذا القطاع جزءا منها ولجأت إلى خلق قطاع خاص مقنع تديره كيف ما تريد لا يستفيد منه سوى نخبة المحسوبية.

 

إن محاولة تبرير جلب تلك الأعداد الكبيرة من الأجانب إلى البلاد والتي خلخلت هوية هذا المجتمع وأصبحت سداً في طريق مواطنيه يمنعهم من تحقيق طموحاتهم. وحصر اللوم على المواطنين الذين لا يملكون القدرة ولم تتح لهم الفرصة يوماً في المشاركة في تقرير مصيرهم ومصير بلدهم لم يكن عادلاً أو منصفاً.

 

المواطنون بشر يحاولون التعايش مع واقعهم بشتى الطرق وليس من طبيعة البشر وخاصة بالنسبة لشعب طيب ومتجانس تربطه علاقات اجتماعية وتاريخية مثل شعب قطر اللجوء إلى الأنانية وتفضيل المصلحة الشخصية على المصلحة العامة لو بثت فيهم روح الوطنية باعتبارهم مواطنين حقيقيين لهم حقوق وعليهم واجبات يضمنها لهم دستور هم أقروه ومؤسسة تشريعية هم انتخبوها.

 

إن طرح فكرة تطوير المساحات الشاسعة بين الدوحة والمدن والقرى الأخرى لحل أزمة الإسكان من قبل الكاتبة لم يكن موفقاً إن لم يكن كارثة من الناحية الاقتصادية والبيئية والعملية.

 

 إن التمدد الأفقي الذي يحدث حالياً والذي تقترحه الكاتبة بينما تبقى مساحات شاسعة داخل الدوحة فارغة أو غير مكتملة كما ذكرت الكاتبة ليس حلاً مجدياً خاصة لأزمة مصطنعة لا يعلم أحد مدة استمرارها.

 

إن إنشاء البنية التحتية لمثل هذه المناطق سوف يكلف الكثير وسوف تكون صيانتها في المستقبل كابوساً من الناحية الاقتصادية والعملية. لقد مر الآخرون بمثل هذه التجربة والتي أصبحت داء بدل الدواء ومصيبة من الصعب علاجها.

 

وتعمير تلك المناطق لن يحل مشكلة التصحر فقطر صحراء بطبيعتها ولن ينهي الغبار الذي نتج عن تحريك التربة بسبب العمران وإنشاء الطرق الخارجية والذي سوف يزول مع انتهاء هذا التشييد.

 

 ما زالت معظم مناطق الدوحة في حالة يرثى لها. فالشوارع ضيقة مليئة بالحفر والأرصفة معدومة والتشجير لا وجود له إلا في قليل من الشوارع الرئيسية والمساحات الخضراء معدومة والطابع المعماري عشوائي لا يليق بأغنى دولة في العالم وغير ذلك من الأمور التي تعكس تنمية وتقديما ورقيا حضاريا حقيقيا يعبر عن هوية هذا البلد وأهله.

 

لقد وفقت الكاتبة في توضيح حقيقة قد لا يراها البعض أو يفهم مدى انتشارها بين بعض المواطنين وهي ظاهرة الحسد والعمل على سلب حق الآخر وانعدام الوطنية وتفضيل وتقديم المصلحة الخاصة على المصلحة العامة ولكن كان من الواجب اتهام هؤلاء بالتخاذل والكسل بدلا من تعميمه على المواطنين جميعاً، فهؤلاء هم من لا يرغب في وجود قطاع خاص منتج حيث يعتمدون على الكومشينات التي يحصلون عليها من الشركات الأجنبية والكفالات وغيرها من الأساليب غير الانتاجية.

لقد أهدرت الحكومة تجربة الطفرة الأولى ولم تستفد منها باستغلال تراكم الخبرات سواء في القطاع الحكومي أو القطاع الخاص مما أدى إلى تخبط وعشوائية في التعامل مع الطفرة الحالية، كما يلاحظ تطبيقها لنفس الأسلوب حاليا في هدر الطاقات المحلية والاعتماد على الأجنبي في كل شيء وتقديم المزايا له وكأن بيده عصا سحرية يستطيع بها فهم وحل مشاكل مجتمع هو غريب عنه، إن قبول المواطن بالعمل بالرغم من وجود هذه الامتيازات العنصرية لدليل على وطنيته وتضحيته من أجل عزة هذا الوطن، ولا يجب أن نشك في هذه الوطنية ونعمم لمجرد وجود أفراد أعماهم حب المال وعبادة "مامون" عن حب الحياة الكريمة وحب الوطن.

 

الروح الوطنية كالجينات تورث ولا تعطى والأجنبي مقيما أو مواطنا بالتجنيس لا يمكن زرعها فيه فهو أساسا قادم وراء الرزق والمصلحة المادية وليس من أهدافه تحقيق تقدم مستدام ولا تطور دائم، إن صفة الهجرة التي تبناها أساسا تسلبه هويته ووطنيته والتي لا يستطيع اعطاءها لوطن آخر. لقد وفقت الكاتبة في قولها "بأن الوطنية تعني أن يكون أفق الإنسان أشمل من ذاته ومصلحته الشخصية" ولكنها غفلت عن ذكر المفهوم الخطأ للوطنية والذي يتمثل في التظاهر بأن كل شيء على ما يرام والدفاع عن الوطن بتعصب مهما بلغت درجة اخطائه.

 

لقد وصل هذا المفهوم الخطأ لدى البعض إلى درجة عالية من التزمت وتحول إلى غرور انعكست آثاره السلبية داخليا وخارجيا، لقد أصبح مفهوم الوطنية لدى البعض يتمثل في التطبيل والتزمير والعرضات واللبس والمظهر وطريقة الكلام وليس بالعمل المنتج والمثمر والاخلاص في التحصيل العلمي والعمل، الوطنية فعل وليس قولا، والفعل يتطلب الفرص المناسبة لتحقيقه والروح الشاملة للتعبير عنه وبدونهما تصبح امكانية تحقيقه مجرد حلم في عقل من يؤمن به.

 

إن من أهم وسائل التعبير عن الوطنية هو العمل في مؤسسات المجتمع المدني لم ير النور إلا في بعض الحالات ولكن بقناع حكومي يسلبه كل حقوقه المدنية ويبطل تأثيرها ويهدم أهدافه، وسوف يبقى ذلك المجتمع هدفا وحلما لكل مواطن صادق يريد أن يساهم في تنمية وطنه والعمل لعزته ورقيه.

 

إن المتناقضات عديدة في مقال الأخت مريم آل سعد والتي عودتنا على أسلوبها الواضح وعباراتها الخلابة وصراحتها وصدقها ووطنيتها في توضيح ومعالجة مشاكل الوطن من دون اعذار ولا تبرير لأخطاء الآخرين ولا على إلقاء اللوم على من لا يستحقه، وإنني على يقين من أنها لم تتغير وبأنها سوف تستمر وتبقى بقلمها صرحا من صروح الثقافة في هذا البلد العزيز ورمزا لوطنية أبنائه.

 


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق