الجمعة، 27 يونيو 2014

الأزمة الحالية لتجربة الكويت البرلمانية


 

الأزمة الحالية لتجربة الكويت البرلمانية

25/3/2009

خالد بن سلمان الخاطر( كاتب قطري )

 لقد كانت ولا تزال تجربة الكويت البرلمانية عزيزة على كل عربي عامة وكل خليجي خاصة لأنها تبعث الأمل بأن تطبق يوما ما في جميع الدول العربية وان تكون نموذجاً ناجحاً يقتدى به ويثبت عدم صحة النظرية التي تدعي استحالة تطبيق الديموقراطية في العالم العربي.



واقول تجربة وليس حياة ثابتة لأنها لم تكتمل ولم تصل الى مقام المفهوم الديمقراطي المتكامل قولاً وفعلاً  لأن الديموقراطية لن تكتمل ابدا وذلك من تعريفها كممارسة مستمرة  رغم استمرارها لمدة زمنية تزيد عن نصف قرن.

 ويعكس مع الأسف ما يحدث في الكويت اليوم هذه الحقيقة.فقرار أمير دولة الكويت الأخير بحل مجلس الأمة وتعيين الشيخ نواف الأحمد الصباح رئيساً للوزراء قد يوصف بأنه شر لابد منه نظراً لتردي الأوضاع السياسية الداخلية في الكويت بسبب غياب التسامح وعدم تقبل بعض النواب سياسة الأخذ والعطاء على الرغم من أنهما يشكلان جوهر الممارسة الديموقراطية.



 

 ولقد مرت الكويت بأزمات ومحن صعبة اهمها بالطبع غزو صدام الغاشم لها وغيرها من الأزمات التي كان يجب الاستفادة منها لتحاشي خلق ازمات جديدة او فتح باب او نافذة قد تتسلل تلك الأزمات من خلالها.

 

وان كان تفادي الأزمات الخارجية المصدر صعباً أحياناً وخارجاً عن ارادة دولة الكويت حكومة وشعباً. فان تفادي الأزمات الداخلية التي تقع تحت ارادة الكويت حكومة وشعباً يجب ان يكون امراً سهلاً للغاية.

 

 فخلق الأزمات الداخلية وايجاد الحلول المناسبة لها ان وقعت يقع في يد الكويتيين انفسهم ويفترض ان يستند على وطنية صادقة تأخذ مصلحة الكويت عامة كقاعدة لها لا تشوبها مصالح شخصية او جماعية او عقائدية.

 

ومن وجهة نظري أن مصدر الأزمة البرلمانية هو خلط في الأولويات عند بعض أعضاء مجلس الأمة. فمحاسبة مسؤول حكومي يجب أن لا تتصدر أوليات المجلس على حساب مفهوم دوره الأم واستمرار وجوده على الرغم من اهمية تلك المحاسبة التي هي من جوهر مهامه.

 

ويبدو واضحاً ان بعض اعضاء مجلس الأمة الحاليين قد غفلوا او تناسوا ان الممارسة الديموقراطية لم تولد كاملة في يوم وليلة في اي مكان على وجه الأرض، بل اخذت قرون حتى وصلت الى ما وصلت اليه وانها لم تكتمل في اي بلد في العالم حتى الآن.

 

 ان الممارسة البرلمانية كما يستدل من مسماها عملية مستمرة ليس الهدف من ورائها الوصول الى نظام سياسي مثالي او حقيقة مطلقة لان الأوضاع متغيرة دوماً ولأن الأزمات والعوائق تأتي من حيث لا يتوقع زمانها أو مكانها.

 

والممارسة الديموقراطية لا تستند على أيديولوجية ثابتة تعطي الحق للغالبية وتتجاهل دور الأقلية. كما انها لا تميز فئة على حساب فئة أو فئات اخرى. بل تحاول عن طريق الحوار والتسامح والأخذ والعطاء مشاركة الجميع في تقرير مصيرهم وتحقيق أهداف بنائه تضمن لهم جميعاً العزة والكرامة.

 

ولكون ممارسة الديموقراطية يتطلب دوماً الاختيار بين عدة قرارات قد يكون الاختيار بينها صعباً وجب ترتيب تلك الخيارات حسب أهميتها ونظراً للزمان والمكان.

 

والممارسة الديموقراطية لا تنجح اذا كان هدفها او من أولوياتها النظر دوماً الى الماضي أو الخلف. بل يجب ان تنظر دوماً الى الأمام والمستقبل مستفيدة من تجارب الماضي هدفها البناء والتشييد وليس الهدم والتدمير. ولن يكون ذلك ممكناً اذا شابها او تخلل جسدها وفكرها سرطان التعصب الأعمى مهما كانت حسن النوايا من ورائه.

 

يجب أن لا ينطبق على أعضاء مجلس الأمة القول المعروف بأن العربي يمارس حياته كمن يقود سيارة وعينه دائماً في المرآة الخلفية.

 

والسياسة كما يقال هي فن الممكن. والمقصود بالممكن في الممارسة الديمقراطية هو تحيق تحقيق الاهداف السياسية البناءة من دون تدمير تلك الممارسة أو تفريغها من مضمونها، او يتم تحويلها لمجرد وعود خاوية تمر السنين من دون تطبيقها. أو تجريدها من فعاليتها باختصار ممارستها على التصويت أثناء الانتخابات.

 

والديموقراطية كما قال تشرشل ليست أحسن الأنظمة ولكنها احسن من البقية. ولكونها كذلك وجب عدم التوقع بخلوها من المشاكل والخلافات. ولذلك كان الحوار المتحضر والمسامحة هما في جوهرها. فبدونهما تطغى على الممارسة الديموقراطية الفوضى والغوغائية وتشوبها الهمجية والجاهلية وتؤدي بالتالي الى نتائج عكسية.

 

والديموقراطية تتطلب من ممارسها احترام الآخرين والأخذ في الاعتبار بل وتوقع اختلاف آرائهم وتعدد وجهات نظرهم واستخدام العقل والمنطق في اقناعهم متجرداً عن العواصف والايمان الأعمى فيما يعتقده.

 

وعلى سبيل المثال ان اسباب ما حدث في الكويت خلال الأزمة الحالية لم يصل الى درجة عالية من الحدة والأهمية مثل ما وصلت اليه في الولايات الأمريكية خلال فترة ادارة بوش الابن والجمهورين من تقليص للحريات المدنية وانتهاكات دستورية وأزمات اقتصادية والدخول في مغامرات عسكرية كبدتها الكثير في الأرواح والعتاد.

 

فلقد غض النظر الديمقراطيون عن أخطاء ادارة بوش بالرغم من فوزهم بمجلسي التشريع والرئاسة موخرا ولم يطالبوا بمسائلة بوش وحكومته، وذلك للحفاظ على الوحدة الوطنية لأنها الأهم. لقد وضعوا المستقبل نصب أعينهم ولم يسمحوا لفكر الانتقام ان يستولى عليهم أو يسيطر على سياستهم.

 

واذا كانت النوايا من وراء خلق هذه الأزمة وما سبقها وهذا افتراض وليس حقيقة ، هو كسب القوة والوصول إلى السلطة على حساب الوحدة الوطنية كما يدعي الاسلامي الذي يمارس الديمقراطية حينما سؤل إذا ما كان فعلا يؤمن بالديمقراطية التي قد تؤدي الى فقدانه للسلطة يوما ما والذي رد بأن الديمقراطية بالنسبة إليه كالسلم الخشبي الذي عندما يصل من خلاله إلى القمة سوف يقوم بحرقه، فتلك النوايا هدامة تعكس اعتقاد البعض وايمانهم للحقيقة المطلقة رغم استحالة ذلك.

 

وان كان الهدف من وراء خلق هذه الأزمة هو تحويل النظر عما نسمعه من خلل في مجلس الأمة وعن سوء استغلال بعض أعضائه لمناصبهم وتدخل بعضهم في الأمور التنفيذية التي ليست من مهامهم فهذا فعلا هدف خبيث لا يراعي مصلحة الكويت ولا يقدر مكاسب شعبها الديمقراطية فغياب حسيب على المحاسب لا يعطي المحساب الحق مطلقا في التصرف حيث ما يشاء فالديمقراطية ترتكز أولا وأخيرا على الصدق والثقة والأمانة وتتطلب أخلاقيات عالية تقودها مصلحة الوطن والمواطن قبل كل شيء.

 

ويتسائل المرء عن أسباب عدم الرجوع إلى المحكمة الدستورية منذ بداية الخلاف بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية ومحول تجنب الشلل الذي وصلت إليه الأمور السياسية في البلاد أليس هذا دور المحكمة الدستورية في الأساس؟ لماذ تلجأ الكويت دوما إلى تطبيق آخر الحلول الأمر الذي قد يؤدي الى تشويه صورة تجربتها البرلمانية ويوحي للآخرين بأنها تجربة فاشلة لا جدوى من تطبيقها بل وتعطيهم العذر لذلك؟

 

يجب على الكويتيين جميعا حكومة وشعبا ان يدركوا أن المترصدون لتجربتهم الديمقراطية كثيرون ويحاولون جاهدين افشال تلك لتجربة وبكل الطرق الممكنة لأن نجاحها سوف يشكل لهم أزمت صعبة ويقلص من قدرتهم على تفادي تطبيق تلك التجربة في دولهم ونجاح تجربة الكويت الديمقراطية سوف يدفع بشعوب أخرى في المنطقة إلى المطالبة بتطبيق تلك التجربة عليهم وسوف تعجز حكوماتهم عن خلق الاعذار والتبريرات مثل ما حدث في الماضي وما يحدث حاليا.

 

كما يجب ألا يغفل الكويتيون عما يحيط بالمنطقة من أخطار قد تهدد أمن دول المنطقة واستقرارها. وأن يضعوا نصب أعينهم أن الاستقرار الداخلي هو خط الدفاع الأول لتصدي تلك الأخطار، فالمنطقة مهددة بالارهاب ومن ورائه من المتزمتين والمتطرفين كما أنها مصدر طمع للكثيرين نظرا لما تحتويه من احتياط الطاقة يجب ان يراعى دور الكويت المهم في المنطقة خاصة في العالم أجمع عامة.

 

لقد مارست دولة الكويت ولا تزال تمارس دورا حيويا في استمرار أمن المنطقة ومسيرة تنميتها.

لقد رفعت الكويت اسم العرب عاليا وذلك عن طريق العون والمساعدة للدول العربية ولدول العالم الثالث والتي لا تزال تقدمه بصدر رحب رغم الأزمات التي مرت بها.

 

يجب الحرص الشديد على استمرار التجربة البرلمانية الكويتية والتأكد من استمرارها وبذل الغالي والنفيس لنجاحها وتقديم كل أنواع التضحيات فداء لها ليس فقط من الكويتيين بل من جميع أهل المنطقة، فهذه التجربة لا تقتصر منافعها وانجازاتها على الكويتيين وحدهم بل تشمل كل الخليجيين خاصة العرب عامة وكل من ابتغى العزة والحياة الكريمة.

 


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق