الجمعة، 27 يونيو 2014

الحكومات العربية وأعداؤهم الوهميون


 

الحكومات العربية وأعداؤهم الوهميون

29/4/2009

خالد بن سلمان الخاطر(كاتب قطري )

يبدو من الواضح جداً لأي باحث ودارس لأسباب تخلف الدول العربية أن من أهم أسباب هذا التخلف أربعة عوامل رئيسية هي:



1- غياب مجتمع المعرفة.

2- ضعف القطاع الخاص وما يترتب عليه من ضعف وصغر الطبقة الوسطى.

3- غياب أو ضعف المجتمعات أو المنظمات المدنية.

4- عدم مشاركة المواطن في تقرير مصيره سواء عن طريق نظام ديمقراطي أو أي نظام آخر.

ويبدو واضحاً كذلك أن أسباب وجود هذه العوامل ومصدرها هو تخوف الحكومات العربية الوهمي من وجودها.

 فهي تبدو للحكومات العربية كأعداء يجب القضاء عليهم بينما تعتبرهم حكومات الدول الأخرى أصدقاء يجب كسبهم والمحافظة عليهم. وهذا التخوف هو وهم من نسيج الخيال وبالتالي نتج عنه أعداء وهميون لا وجود لهم على أرض الواقع.

وتصور هذه العوامل على أنها أعداء نتج عنها وجود أعداء حقيقيين وهي الجهل والتخلف والنفاق في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. إن وجود هؤلاء الأعداء الحقيقيين هو مايجب أن يقلق ويسهر الحكومات العربية بدلاً من أعداء وهميين لا وجود لهم. ولا يوجد تفسير لذلك سوى أن كل الحكومات العربية تعيش في حلم مزعج مليء بالأشباح يخيل لها أنه الواقع.



ومع أن بعضهم أفاق من تلك الأحلام المزعجة وأدرك تماماً عدم وجود من يتخيلهم أعداء. لقد أصبحوا مدركين أن من كانوا يتخيلونهم أعداء قد يصبحون أصدقاء.

 ولكنهم وبدلاً من تبني هؤلاء الأصدقاء على طبيعتهم قاموا بل ويصرون على أنه بالإمكان خلق وتشكيل هؤلاء الأصدقاء على هواهم وكيفما يريدون. هدفهم رش الرماد في العيون وليس التعايش مع الواقع وهادفين الإصلاح.

 يقنعون أنفسهم بل ومقتنعون أن بإمكانهم أن يقنعوا شعوبهم مثلما هم مقتنعون بأن هؤلاء الأصدقاء هم أصدقاء حقيقيون من الممكن الاستناد عليهم في الشدة وفي الرخاء. وغير مقتنعين بأن صديقك من صدقك لا من صدّقك.

 

والحقيقة على ما يبدو أن هؤلاء قد وفقوا فعلاً في مشروعهم ونجحوا في تحقيق أهدافهم المنشودة من وراء مقاصدهم ومحاولاتهم. لقد نجحوا بل وتفوقوا في تحقيق تلك الأهداف رغم كونها أهدافاً مسمومة عن طريق حق يراد به باطل مستخدمين الخبث والدهاء وكل ماهو ممكن لإنجاز وتحقيق تلك الأهداف. إن الهدف الوحيد هو البقاء في السلطة وبالتالي التسلط على مقدرات وموارد بل وأرواح شعوبهم.

 

 ولم تكتشف حتى الآن مؤامراتهم وخداعهم لأنه أصبح من الصعب على شعوبهم إدراك ما يجري حولها نظراً لانتشار الجهل والتخلف والنفاق. بالرغم من أن النتائج على أرض الواقع سلبية لاتتماشى مع العصر والزمان ولا تعكس ما يدعون.

 

ولم تدرك هذه الشعوب أن التنمية المنشودة هي تنمية وهمية وأن النتائج عكسية، وأن كل ما قيل عن التنمية ليس سوى وعود فارغة هدفها تخدير تلك الشعوب تخديراً دائماً وتنويمها الى أجل غير مسمى.

 

فبالنسبة لخلق مجتمع المعرفة بدأوا بإصلاح التعليم من القمة بينما القاعدة هشة. فالتعليم من الابتدائي إلى الثانوي لا يزال متخلفاً ولا يجاري العصر، يعتمد على التكرار والحفظ بدلاً من الفهم والاستيعاب.

 

وقاموا باستغلال ثورات المعلومات والاتصالات لنشر السطحيات والتفاهات، كما استغلت تلك الثورات لغسل الأدمغة وبث السموم وترسيخ الغيبيات التي لا يوجد دليل على صحتها.

 

إن أكثر من استفاد من تلك الثورات هم دعاة الغيبيات ومروجو السحر والشعوذة والخرافات والقيل والقال اللذان لا يستندان على أدلة علمية أو فلسفية منطقية.

 

 لقد استفاد هؤلاء المفسدون من الوسائل الحديثة لبث الجهل وزرع فكر المؤامرة وتنميته بكل ما لديهم من طاقة كاسبين من وراء ذلك أكثر من رزقهم وذلك كله باسم الحق، مدعومين بالطبع من قبل تلك الحكومات.

 

لقد استغلت تلك الحكومات ما تقدمه التكنولوجيا الحديثة ليس لتطوير الإنسان كما هو متبع في أغلب دول العالم، بل لتفريغه من أي معلومة سليمة قد ترسبت في ذهنه وترسخت في عقله وزرعت بدلاً منها مفاهيم ترسخ التعصب والتطرف والتقليد الأعمي لكل سيىء مهما كان مصدره.

 

كما نجحت في غرس بذور حياة المظاهر والاستهلاك السامة في عقله وقلبه ونجحت في زرعها وهي الآن تحصد ثمارها القاتلة التي لا تغذي سوى شهوات المواطن الآنية لا هدف من ورائها سوى شغل المواطن العربي بها لقتل وقته من دون جدوى أو فائدة ترجى، وتجنبه طرح الأسئلة المهمة التي من شأن الأجوبة عنها تقرير مصيره ومستقبله ومستقبل أبنائه.

 

لقد عجزوا كذلك عن خلق قطاع خاص قوي بإمكانه المشاركة والمنافسة في الاقتصاد العالمي الأمر الذي يشغل جميع دول العالم في هذا العصر الذي أصبح فيه كل شيء في الحياة وللأسف الشديد مبنياً على الاقتصاد والماديات.

 

 لقد نجحوا بإعطاء صورة مزيفة قد تبدو لأول وهلة بأنها أصلية وذلك بتخصيص جزء لا يذكر من بعض شركات ومؤسسات القطاع العام  الحكومي  بينما احتفظوا بحصة الأسد في كل شركة لتعطيهم الحق والقدرة على تقرير مصير ومستقبل ومجالس إدارة تلك الشركات بدلاً من أن يتركوها للمساهمين والمستثمرين فيها كما هو متبع من قبل الحكومات الصادقة في العالم وإن ندرت.

 

لقد نجحوا في خلق قطاع خاص يعتمد على المغامرة والمضاربة بدلاً من الجاد والإنتاجية، يستند على المجازفة والمخاطرة بدلاً من التخطيط والصبر والمثابرة.

 

 لقد أصبح أكبر هم لدى المواطن العربي مشاركته في سوق الأسهم بفهم وخبرة أو بدونهما وذلك اعتقاداً منه أن المشاركة في نشاط هذا السوق التي لا تتطلب سوى جهد ذهني ضئيل هي أسهل الطرق لتحقيق المكاسب وتحقيق الأمنيات خاصة وأن الأغلبية تؤمن بأن الحشر مع الناس عيد استناداً على المبدأ ذاته.

 

لقد أصبح المواطن مهووساً ومجنوناً بتلك الأرقام العابرة على شاشات التلفزيون بينما هو متسمر في كرسيه الذي لا يفرقه عنه سوى حركة يديه وهو يشتري ويبيع عن طريق جواله. غير مهتم إذا كانت تلك الشركات التي يساهم فيها ذات جدوى اقتصادية تذكر أو إن كانت تساهم في مسيرة التنمية وتفيد المصلحة العامة.

 

لقد نجحوا في خلق ما يشغل المواطن العربي عن مشاكله الحقيقية المزمنة وتخديره بحيث فقد الإحساس بمرض سرطان الجهل والتخلف والنفاق الذي ينهش بدنه وفكره نهش الذئاب يوماً بعد يوم.

 

لقد نجحوا في تقليص دائرة أسئلة المواطن بحيث أصبحت مقتصرة فقط على سوق الأسهم وما يجري فيه. لقد نسي الأسئلة المصيرية التي تتعلق بمصيره وعزته وكرامته ومستقبل أبنائه وأصبح غير مكترث بكونه عبداً لأهواء السوق وتقلباته.

 

أما بالنسبة لخلق مجتمع مدني قوي يستطيع عن طريق منظماته المستقلة المشاركة في تنمية المواطن والوطن فلقد وقفوا أمام ذلك كالسد المنيع. لقد حاولوا ونجحوا بخلق منظمات شبه حكومية مقنّعة بقناع مظهره مدني وجوهره حكومي، لقد تمكنوا من تنشيط هذه المنظمات وتعزيز فعالياتها حتى تعطي مظهراً لا يعطي الباحث، حتى ولو تمعن بدقة، حقيقة جوهرها ومغزاها.

 

لقد نجحوا في تصوير تلك المنظمات المزيفة للعالم أجمع، ومن دون ذرة حياء أو لومة لائم، على أنها جمعيات ومنظمات مستقلة تماماً تمثل بالطبع المواطنين في زيها وحليها بينما حقيقتها عكس ذلك. لقد تجنبوا بذلك مطالبة المواطن بالمشاركة في تقرير مصيره ومصير مجتمعه وأمته أو تحمل مسؤوليته في مسيرة التنمية، تلك المسؤولية التي لا يمكن تحقيق تنمية حقيقية بدونها.

 

وأخيراً لقد نجحوا عن طريق التزييف والتشويه للعوامل الثلاثة المذكورة أعلاه أن يكبلوا المواطن العربي وبرضاه حيث إنه لا يملك القدرة العقلية والفكرية لإدراك ذلك التزوير والتزييف والتشويه الذي يدور حوله.

 

معتقداً وآمناً، مطبلاً ومزمراً للسلطة شاكراً لها فضلها وممتناً لماقدمته وتقدمه إليه من وسائل معتقداً أن مردودها سوف يحقق رقيه وعزة كرامته. لقد وصل الدهاء عند الحكومات العربية في استغلال المقولة التي تقول إن وجود الظلم لا يسبب الثورات بل الإحساس به.

 

لقد نجحوا فعلاً في تخدير إحساس المواطن العربي لدرجة قد لا تصدق. فالمواطن منهوب حقه لا يملك حتى حق المواطنة والتي صوروها على أنها لا تتعدى حصوله على مجرد وثيقة سفر قد تصادر منه في أي وقت.

 

فالمواطن العربي أياً كان لم يحظ بما يسمى بالمواطنة الحقيقية التي قد تضمن له حقوقه وتحميه من ويلات السلطة. فالحكومات شر لابد منه كما يقال لكونها من يملك حق استخدام العنف وليس هناك سبيل لحماية المواطن من ذلك العنف وسوء استغلاله سوى مواطنته.

 

فالمواطنة تعطي الحق للمواطن بالمشاركة في تقرير مصيره وذلك عن طريق دستور من المفترض أنه قام بمراجعته وفهمه قبل إقراره. لقد نجحوا فعلاً في الاستهتار بالمواطن وإهمال حقوقه، لقد نجحوا في تصوير الظلم على أنه عدل والتفرقة على أنها مساواة والواسطة والمحاباة على أنها نظم ومظاهر الأمور على أنها جواهرها.

 

لقد نجحوا فعلاً في تكبيله وخنق صوته وتقليص تعبيره إلا فيما هو سطحي وتافه لا يرجى منه سوى شغل باله عما هو مهم في حياته وقتل أي وقت لديه قد أو ربما يعطيه الفرصة ولو للحظة للتأمل في أوضاعه وبالتالي إتاحة الفرصة له بأن يفيق من أحلامه مدركاً ومتداركاً الهاوية المخيفة المنقاد لها بطواعيته وخياره.

 

لقد راهنني صديق على أن المواطن العربي لن يفيق أبداً من نومه وأن أي محاولة لإيقاظه ماهي إلا عبارة عن هدر للوقت وضياع للجهد. لقد يئس ذلك الصديق المثقف كما يئس أغلبية المثقفين العرب على ما يبدو هذه الأيام.

 

فلقد جفت أقلامهم وشح عطاؤهم وأصبح دورهم هامشياً نتيجة ذلك اليأس المحبط الذي اكتساهم. وفي الحقيقة هم غير ملامين وملامون في نفس الوقت. فهم غير ملامين حيث إن قدراتهم محدودة جداً في تغيير الأوضاع الراهنة التي كما ذكرت أصبحت تدار بخبث شديد ودهاء مخيف لا يقوى أحد بمفرده على استيعابه ناهيك عن التصدي له. وهم ملامون لأنهم لا يؤمنون بأن دوام الحال من المحال.

 


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق