الجمعة، 27 يونيو 2014

ملاحظات على دراسة اللجنة الدائمة للسكان


 

ملاحظات على دراسة اللجنة الدائمة للسكان

مطلوب إجراءات فعّالة للحد من معدل التضخم والضرائب والرسوم

3/2/2009

خالد بن سلمان الخاطر

نشرة جريدة الراية في يوم الاثنين بتاريخ 2-2-2009 ملخصاً لتقرير اللجنة الدائمة للاسكان بعنوان تحديات اجتماعية واقتصادية تواجه التنمية المستدامة بقطر، ونظراً لما جاء في التقرير من متناقضات وما تجاهله من تحديات رأيت ابداء الملاحظات الموجزة التالية:

 

أولا: إن لفظ  تنمية مستدامة  لفظ متناقض  Oxymoron  إذا لم يحدد هدف التنمية وخاصة إذا كان المقصود هو التنمية الاقتصادية إذا ما أخذنا في الاعتبار المقولة المذكورة أعلاه خصوصا مع وجود معدل عال لنمو سكاني متصف بمعدل استهلاكي عال أيضا.

وبينما أدرك الدارسون والمهتمون بشؤون التنمية هذا التناقض نري المهتمين لدينا مصرين علي استخدامه وكأنه عصا سحرية لتحقيق التقدم والازدهار والسبب في ذلك راجع إلي تقديم الماديات علي الفكريات والروحانيات في عالم اليوم.

ثانيا: إن من أهم الهبات التي منّ الله سبحانه وتعالي بها علي المجتمع القطري هو صغر حجمه، فكلنا نري اليوم ما تعانيه الدول المكتظة بالسكان من مشاكل مثل البطالة وعدم القدرة علي توفير الخدمات الأساسية لأفراد مجتمعاتها مهما كان معدل نموها الاقتصادي. وعندما تري الدراسة أن معدل النمو السكاني للمواطنين الذي انخفض من 3.9% إلي 3.4% يشكل مشكلة غير مدركين أن هذا يعني تضاعف عدد المواطنين في عشرين سنة يبدو من الواضح أن العكس يجب أن يكون هو التحدي والمشكلة، فتضاعف السكان في هذه الفترة القصيرة يترتب عليه بناء بنية تحتية وخدمية تعادل ما بني خلال ال60 سنة السابقة مع عدم الأخذ في الاعتبار الزيادة السكانية الناتجة من التجنيس والعمالة الوافدة، علما بأن البنية التحتية والخدمية الحالية قاصر وليست علي درجة عالية تحفظ للمواطن عزته وكرامته. فالمدارس مكتظة والمستوي يتدني يوماً بعد يوم، وكذلك الحال بالرعاية الصحية، فالحصول علي موعد مع اخصائي في مستشفي حمد علي سبيل المثال لا يمكن الحصول عليه قبل 3-4 شهور حتي للحالات الطارئة، كذلك الحال بالنسبة للبنية التحتية فلايزال عدد كبير من المنازل والمحلات يعتمد علي البلاعات للتخلص من مجاريها، ولاتزال صهاريج المياه احد المعالم التي تميز قطر عن غيرها من دول الجوار، كما لاتزال الكثير من المناطق خالية من الطرق والأرصفة.



ثالثا: لا شك أن هناك خللاً في التركيبة السكانية ولكن الحلول المقترحة لن تصلح ذلك الخلل لأنها تستند علي تعديل الكم وليس النوع، فمحاولة زيادة المواطنين بالنسبة للوافدين لا يمكن ان تحقق التوازن المطلوب ما دامت البلاد في حاجة الي اليد العاملة الفنية والمهارات العالية.

يجب ان يستند الحل علي تحسين نوعية المواطنين وليس اعدادهم، فعالم اليوم مبني علي معدل انتاج الفرد وقلة تكلفته لا علي كثرة الأفراد التي تحتم عليه زيادة الكلفة.

وتحسين النوعية لن يتحقق ما دامت الرعاية الأسرية مبنية علي الخدم والتعليم الأولي مهمل رغم تدنيه، والتركيز علي التعليم العالي لن يحسن النوعية كذلك لأن الأساس غير قوي وغير قادر علي تحمل ما يبني عليه، وبناء الهرم من قمته مستحيل.

رابعا: ان ارتفاع معدل الرعاية في مجتمع مثل المجتمع القطري لأمر طبيعي إذا ما أخذ في الاعتبار طبيعة هذا المجتمع وعاداته وتقاليده، ولا يجوز مقارنته بدول طغت عليها الماديات وتجردت من إنسانياتها وكان من واجب الدراسة ذكر انه من أسباب زيادة تكلفة هذه الرعاية هو عجز الدولة في القيام بواجباتها من ناحية وعدم اتخاذها لإجراءات فعالة للحد من معدل التضخم وتخفيض الضرائب والرسوم المباشرة وغير المباشرة والتي اصبحت تنهك كاهل المواطن وتحمله أعباء لا قدرة له عليها، وتناقض الدراسة هذه النقطة عندما تطالب بزيادة الضرائب والرسوم لتنويع مصادر الدخل وتخفيف الإنفاق الحكومي.

خامسا: ترتكز الدراسة وتولي أهمية كبيرة للجانب الاقتصادي من مجمل التحديات وذلك ناتج عن التقليد الأعمي لمفهوم التنمية الغربي الذي يتصدع أمام التحديات التي تواجهه محليا وإقليميا وعالميا فالأزمة المالية العالمية الحالية وما يواجهه العالم اليوم من كوارث نتيجة التلوث والتغيرات المناخية الناتجة عن الاحتباس الحراري وزيادة الفوهة بين من لديه ومن ليس لديه لنتيجة حتمية لنموذج فاسد مبني علي الاستهلاك المظهري الذي لا يأخذ في الاعتبار سوي قصر الرؤية وعدم أخذ البيئة والطبيعة في الاعتبار ويتجاهل واجبه نحو الاجيال القادمة، ويبدو التناقض واضحا والتقليد الأعمي متجليا عندما تنادي الدراسة الي تشجيع الاستثمار الخارجي في البلاد وخاصة عندما ندرك ان الشروط التي تتطلب تشجيعها غير متوفرة في البلاد، فالبلد خال من البطالة غير المقنعة، ولا يوجد نقص مالي، والموارد الطبيعية فيما عدا الغاز لا تتطلب الخبرة العالية التي تفرض علي الآخرين مشاركة الأجنبي.

سادسا: تذكر الدراسة وتكرر ان التلوث الهوائي والبحري وانخفاض منسوب المياه الجوفية وزيادة نسبة الملوحة فيها ناتجة عن الزيادة والكثافة السكانية بينما تطالب بحفظ معدل السكان للمواطنين الذي يعتبر عاليا جدا عالميا علي ما هو عليه وعدم تشديدها علي بذل الجهد الأقصي للحد من العمالة الوافدة التي اصبحت تمثل خطرا رهيبا حضاريا واجتماعيا وبيئيا.

لقد تجاهلت الدراسة تحديات مهمة تتعلق بالمواطن وفكره وأسلوب حياته والتي هي أساسا ما يمكنه من مواجهة جميع التحديات الأخري سواء تلك التي ذكرتها الدراسة أو ما تجاهلتها، فلقد أصبح التقليد الأعمي للفكر الغربي السلبي  وخاصة الأمريكي  فقط. وليس الايجابي الذي لا يوجد شك بأنه لا يفتقر إليه، هو الفكر السائد علي المواطن، وأصبح نهج  نفسي نفسي  هو النهج الغالب علي أسلوب سلوكه وحياته، فلقد أصبح من الواضح جداً لكل من يملك قليلاً من الرؤية ولكل من يتوقف ولو للحظة عن عجلة الحياة السريعة أن يدرك أن التقليد الاعمي للنموذج الامريكي من أكل في المطاعم السريعة أو المضاربة في سوق البورصة التي أصبحت صالة للقمار بدلاً من دار للاستثمار أو بناء المجمعات السكنية المحروسة أو الاستهلاك المظهري وبناء الابراج غير الملائمة بيئياً أو عملياً أو التمدد العمراني الأفقي لن يؤدي إلا الي كوارث اجتماعية وبيئية واقتصادية قد يكون من المستحيل حلها.

لقد تعلمت من عملي السابق كمدير للهندسة بوزارة الاشغال سابقاً وكعضو في لجنة الاسكان انه من المستحيل توفير الخدمات التي يتطلبها المجتمع ما لم يكن هناك الوقت الكافي والامكانيات المالية والبشرية اللازمة. إن ما تنجزه الدولة حالياً من مشاريع لن يؤدي بالغرض المنشود ما لم يواكبها تجميد تقليص للسكان. فالزحمة المرورية لن تزول بل ستزداد حدة، ولن تستطيع الخدمات مواكبة الطلب. ولن ينخفض التضخم، ولن تجدي الحلول الهندسية أو الاقتصادية ما دام النمو السكاني والاستهلاكي مستمرين، والتنمية الاقتصادية بدلاً من التنمية الاجتماعية هي أساس مفهوم التنمية.

إن التحديات التي ذكرتها الدراسة لا يستطيع إنسان صاحي الضمير نكرانها رغم ما شابها من تناقض. ولكن الأهم من ذلك هو مصداقية مواجهتها، فهذه التحديات وفهمها ليس بجديد. لقد تناولها الدكتور علي خليفة الكواري منذ ما يقارب الثلاثين عاماً في كتابه  تنمية للضياع أم ضياع فرص التنمية  ولكن وللأسف الشديد ضاع صدي ذلك الكتاب القيم في صحراء النسيان ولم يترك أثراً إلا في قلوب القلة من أبناء هذا البلد العزيز.

ملحوظة أخيرة: أرجو من مقدمي الدراسة والمهتمين من المتحدثين باللغة الانجليزية والراغبين في فهم أعمق لمشكلة النمو السكاني وما يدعي التنمية الاقتصادية المستدامة زيارة هذا الموقع.

http://www.youtube.com/watch?v=F-QA2rkpBSY

وقراءة كتاب ثوماس فريدمان

Hot, Flat, and Crowded


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق